موقع الصحفي فادي أبو سعدى

عندما يقسو عليك الاحتلال.. في محاولة لإفقادك آدميتك

فادي أبو سعدى

فادي.. غارة على بيت حانون تسقط عدداً من الشهداء ... فادي.. قصف إسرائيلي على سيارة في رفح وأنباء عن شهداء وجرحى، فادي.. قصف سيارة إسعاف في حباليا قتل فيها خمسة فلسطينيين بينهم مسعفون، هذا مشهد سريع لساعات طوال ولحظات قاسية نعيشها بشكل يومي في فلسطين

ثلاثة أيام دامية مرت على قطاع غزة بشكل خاص، وفي الأراضي الفلسطينية بشكل عام، سقط فيها أكثر من 40 شهيداً ومائة جريح، خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، ضد ما أسمته إسرائيل ( البنى التحتية للإرهاب الفلسطيني).

إلا أن الجمعة الأسود، والذي من المفترض أن يسمى الجمعة الأحمر، كان أشد وأقسى الأيام ليس فقط على الأهل في غزة، بل على كل البشرية، وعلى كل من بقي يملك الإحساس في هذا الزمن القذر.

كان الجمعة قاسياً من ساعات الفجر الأولى، فقد استفقت على خبر محاصرة مسجد في بيت حانون بحجة أن بداخله مقاومين فلسطينيين، ومن ثم استعداد إسرائيل لهدم المسجد.

مشهد نساء بيت حانون يخرجن إلى الشوارع متوجهات إلى المسجد لإنقاذ المقاومين المحاصرين، وسقوط شهيدة وعدد من الجرحى في صفوفهن، كان مشهداً رائعاً في المقاومة الشعبية، وتحريكاً لمشاعر الشجر والحجر وليس فقط البشر، لما يفله الفلسطيني في سبيل مقاومة الاحتلال.

لقد خرجت النسوة متسلحات بالإيمان، لا يحملن في أيديهن شيئاً على الإطلاق، سوى كيفية الوصول إلى المسجد المحاصر لإنقاذ المحاصرين، وقد نجحن في ذلك.

يؤلمك حقاً أن تفق آدميتك ولو للحظات، ويصبح الأمر بالنسبة لك، أرقاماً للشهداء والجرحى، وليس بشراً تم قتلهم وهو يدافعون عن حريتك وشرفك وعرضك.

يؤلمك جداً رؤية العالم من حولك يرى هول الإبادة التي تتعرض لها، وهم يطالبون بممارسة أقصى درجات ضبط النفس من الاحتلال الغاصب.

يؤلمك فعلاً أن تشعر وإن كنت صحفياً، وظيفتك نقل الأحداث، أنك تفقد آدميتك وتتعامل مع الحدث بالأرقام، رغم إحساسك الداخلي، بأنك تموت رويداً رويداً، لأن من يقتلون، فعلوا ذلك لأجلك، ولأجل أرضك، وهم من ذريتك.

ويستمر المشهد المؤلم، دماء تتناثر في كل مكان، وعمل عليك انجازه، وبشر من حولك فقدوا بشريتهم، وجالسون دون مبالاة يطلقون التصريحات من هنا وهناك،ولا أحد يحرك ساكناً في محاولة ليس لإنقاذك بل حتى للتخفيف عنك.. أما أنت فعليك احتمال كل ذلك لوحدك!! والاستمرار في هذه الحياة، في محاولة للاحتفاظ ببصيص من الأمل ليوم أفضل، ولحال أفضل.