موقع الصحفي فادي أبو سعدى

عذراً منكم... السيجارة صارت بشيقل

فادي أبو سعدى

لا يبدو أن أحداً يكترث لفكرة محاربة التدخين في البلد، وبالأخص من قرر ومن نفذ ومن شارك في آخر ارتفاع لأسعار السجائر، وما يؤكد ذلك هو حملة شباب من أجل منع التدخين في المباني وغيرها من المحاولات الشبابية التي لقيت دعما من كثيرين لكن ليس من الحكومة بكل مستوياتها، ليبدو الأمر وكأن شعار الحكومة بات "نعم للتدخين.. نعم للمزيد في خزينة الدولة" وهو أمر لا يقبله حتى المدخن نفسه طالما أن الارتفاع في السعر هدفه جني المزيد من الأرباح لكل من ينتفع من هذه السلعة، عدا المستهلك بينما هو الأهم!

وبما أن عاداتنا الاجتماعية أنه وكلما التئم شمل الأهل أو الأصدقاء أو حتى الضيوف من زوار المنزل أو العمل، نقوم بمشاركتهم سيجارة وعلى الأغلب تكون كافة السجائر من نفس الشخص، فإنه وبعد الآن لا أعتقد أن الأمر سيستمر بهذه الطريقة تبعاً للعادات والتقاليد وإن كان ذلك من باب الاحترام، كون ذلك أصبح مكلفاً للغاية عندما تتحدث عن كمية السجائر التي يدخنها الفرد، خاصة بالسعر الجديد.

فمن يدخن ذلك النوع من السجائر التي وصل سعرها إلى "20 شيقلاً" فقد أصبحت سيجارته الواحدة بشيقل، ولو كان يدخن علبة سجائر واحدة في اليوم فمعنى ذلك أنه سيصرف 600 شيقل (ما يعادل 154 دولار) من راتبه الشهري للتدخين، فماذا تبقى لكل الأشياء الأخرى! وهنا قد تكون الإجابة الأسهل لدى الجميع في هكذا حالة "توقف عن التدخين" إلا أن هذا ليس من شأن أحد سوى صاحب الأمر، لأن مثل هذه الإجابة ليست هي الصحيحة عندما نتحدث عن الرفع غير المبرر لأسعار السجائر هذه المرة.

أسعار السجائر ارتفعت في الأسبوع الأول من شهر يناير للعام الحالي ما نسبته 12.5 بالمائة، وعادت الآن لترتفع قرابة 11 بالمائة، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 23.5 بالمائة خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام فهل يعقل ذلك؟ ووالله لو قالت الحكومة أن هذا الارتفاع مرتبط بحملة لمكافحة آفة التدخين في البلد لكنت جزمت بأن نسبة لا بأس بها من المدخنين ستقلع عنه، كيف لا وأنا واحد منهم وقمت بتوقيع وثيقة منع التدخين داخل المباني العامة وملتزم بها!

يبدو أن الجميع يتهرب من المسئولية عن مثل هكذا قرار، لكن المصيبة أن الأطراف ليست بالكثيرة فهي منحصرة أصلاً ما بين دائرة الجمارك في وزارة المالية، وبين الشركات المستوردة والمنتجة للتبغ في البلد، لكن مشكلتنا في الأساس هي التهرب من المسئولية عندما يحدث قرار كهذا ضجة بهذا الحجم، وتسحب السجائر من الأسواق لعدة أيام، وتعود لتظهر فجأة وبسعر جديد وكأن شيئاً لم يكن على الإطلاق.

اعتذر منكم أصدقائي وضيوفي، فمن اليوم وصاعداً لا أستطيع أن أضيّفكم "سيجارة" كما جرت العادة دائما، فسعر السيجارة أصبح "شيقلا" وقد اضطررت لتدخين عشر سجائر يومياً في محاولة للمحافظة على القليل في جيبي، وعلى مواصلة التدخين تبعاً لمزاجي، لكني بكل تأكيد أتشرف بكم وبالجلوس معكم لكن... "بدون سجائر" فلست سوى كباقي الموظفين في البلد، والبقية لديكم!