موقع الصحفي فادي أبو سعدى

صحافتنا وصحافتهم... مفارقات عجيبة

فادي أبو سعدى

كانت الساعة قد قاربت على الثالثة من بعد الظهر، عندما دخلنا إلى قسم التحرير في صحيفة "شيكاغو تريبيون" ثالث أكبر الصحف الأمريكية، والتي يعمل بداخلها أكثر من 500 صحفي ومحرر، وتبيع في الأيام العادية 650 ألف نسخة، بينما الأحد فقط تصل مبيعاتها إلى 900 ألف، أما نحن، فالصحيفة الأولى لدينا لا تتجاوز الخمسين ألفاً، وعدد موظفيها محدود للغاية.

كان اجتماع هيئة التحرير المكون من 15 شخصاً سيبدأ خلال دقائق، وسيكون مخصصاً لإقرار المواد الخمسة المطلوبة للصفحة الرئيسة، وكل قسم يحاول أن يفوز بتحقيق له، أو مادة مهمة تستحق الظهور للجمهور على صدر الصفحة الأولى للصحيفة.

بعد استعراض المواد، بدءً من الدولي، إلى المحلي، والاقتصاد، والرياضة، والكثير من المواد الأخرى، يتم التصويت على ماهية المواد الخمسة التي يراها كل من هؤلاء المحررين مناسبة للظهور على الأولى، أما نحن فليس هناك سوى الأخبار السياسية التي لم تعد ذات قيمة مطلقاً، والعناوين الكبيرة التي لها علاقة بتمجيد قادتنا وفصائلنا على حساب المهنية والتعلم والحصول على المعلومات.

في دستورهم تكفل لنفسك حرية الدين والصحافة والتجمهر والتعبير والتظلم أيضاً، أما نحن فلا أكاد أجد حرية لأحد في أي مما تقدم، وإن كفل لك دستورنا هذه الأمور الهامة، فإن الفلتان الأمني كفيل بالقضاء على كل واحد منها، وعليك أيضاً إن تطلب الأمر ذلك!!

في مبنى "تريبيون" لديهم متحف خاص بالحريات، وكفيل بتعليم الأجيال الجديدة، كل مبادئ الحرية، أما نحن فلا أكاد أشك بأن لدينا مجلدات من الانتهاكات الخاص بالحريات، وأولها الإعلامية والتي لم تتوقف منذ ولدت حتى اللحظة.

أما بعد... فلديهم ما بين خمسة إلى عشرة من كتاب الأعمدة، يسمون "صناع الرأي" وما يكتبوه يضطر أحياناً إلى اجتماع الإدارة الأمريكية لتدارس ما كتب لمعرفة كيفية الرد على أسئلة الصحفيين هذا اليوم، وهو أمر مفقود ليس لدينا في فلسطين بل في العالم العربي أجمع.

صحافتهم يا سادة هي من كشفت قضية التعذيب في سجن أبو غريب، وقبلها سجن غوانتنامو، ومجزرة حديثة إن كنتم تذكرون، والسجون السرية التابعة لـ CIA، أما صحافتنا، فليست سوى تضليل الرأي العام والقارئ وأخذه إلى مناطق بعيدة جداً عن الواقع وليست مبنية إلى على الخيال.

صحافتهم أيضاً خائفة جداً من إخفاق مؤتمر الخريف، وتتحدث عن الموضوع بسخرية كون الإدارة الأمريكية غير قادرة على فعل شيء، ونحن نتحدث عن اختراق قد يتم في هذا المؤتمر، ووضعنا كل ما نملك في هذا الاتجاه، وكان الله في عوننا إن أخفق هذا المؤتمر، لأن العواقب ستكون وخيمة.

ولا أجد أن أختم إلا بالقول "صحيح أن صحافتهم لا تكتب القصة دائماً في الوقت المناسب، ولكنك تجدك القصة كاملة دائماً ولو بعد حين، أما لدينا فلا تجد ما تقرأ".